منذ أن اندلعت الثورات العربية إبان عام 2011 فيما يسمى «الربيع العربي» والوضع الراهن بكافة أطيافه يعيش في دوامة من المد والجزر، لم يستثن المشهد الثقافي من الدخول في هذا المُعترك الذي زجّ بدوره أسماء برزت في هذا الحقل إلى السجون وفي أحيان كثيرة إلى الموت، ومع ذلك كان هناك عدد كبير من الأسماء الذين اختاروا الصمت هروباً من جحيم هذا النفق، مخالفين حركة التاريخ امتداداً للأحداث الفاصلة منذ ألف عام حتى هذا العصر والتي كانت توصف بالثورية، يقع على عاتق المثقف المتمثل بالأديب والمفكر والصحفي مسؤولية إعادة ترميم ما تصدع إبان هول الحروب.
المشهد والصراع
«عكاظ» التقت مثقفين وناشطين من بلاد عربية عاشت هذا المشهد، إذ يشير المحامي التونسي نور الدين الجبالي إلى أن المشهد يطرح لنا أسئلة حارقة حول دور الثقافة والمثقفين عموما خلال هذه الفترة والتغيرات المتعددة التي شهدها المشهد الثقافي منسجما مع تغير المشهد العام للبلاد، فهو يرى أنه كان لزاما على المثقف أن يدلي بدلوه، خصوصا أن المسؤولية أصبحت أكبر مع هامش الحرية الذي بدأ حينها كبيرا ومنفتحا، بل يصل حد الإغراء الذي لا حدود له في التعبير بكل الأشكال الفنية، لكن هنا كان الإشكال والرهان الحقيقي.
ويعتبر الجبالي أن المشهد الآن في صراع، إذ يقول: «الصراع بدأ في أول الأمر خفيا أو يسير على مهل، لكن فيما بعد تشكلت ملامحه بشكل جلي وقوي مع مضي السنوات التي تلت الثورة ليكون صراع «أيديولوجيات» بالأساس وصراع تموقع ثقافي وفكري بامتياز، حارب بشتى الأشكال ليجد له موطئ قدم في أرض بدت خصبة لزرع أفكاره»، موضحا أن «الصراع الأيديولوجي الرهيب خلق نوعا من عدم التوازن الثقافي في البنية الثقافية ككل، ما جعل المتلقي يعيش حالة من الحيرة والقلق الدائم، حتى أصبحنا نعيش شكلا من الانتصاب الفوضوي لبث الأفكار، ما صعب عملية غربلة الغث من السمين منها، ومعرفة المثقف الحقيقي من دعي الثقافة، والملتزم من الزائف».
3 حالات
فيما يرى الكاتب والصحفي الليبي محمد الأصفر (صاحب 14 كتابا مطبوعا على نفقته الخاصة) أن المثقف الليبي يعيش 3 حالات حاليا؛ الاصطفاف أو الصمت أو الهجرة، ويمضي قائلا: «عن طريق الإقامة في دول الجوار والعمل في قنوات فضائية أو صحف مدعومة من مغذي الصراع، أو الحصول على اللجوء السياسي أو الإنساني في دول الغرب، إذ وجد نفسه أمام هذه الحالات الثلاث، وعليه أن يختار منها ما يناسبه»، موضحا أن معظم المثقفين اصطفوا بشكل مباشر أو غير مباشر مع التيارات المتصارعة التي تناسلت بعد سقوط القذافي والتابعة معظمها لدول خارجية عربية وغربية تحركها من وراء الكواليس، فعند متابعة صفحة أي مثقف ليبي عن طريق «فيس بوك» أو «تويتر» أو غيرهما يمكنك أن تصنفه، ويمكنك أن تحدد اتجاهاته.
وأضاف: «هناك قسم آخر من المثقفين قرروا الصمت والانهماك في إبداعاتهم البعيدة عن التعاطي مع الراهن، فيما يوجد القسم الآخر وهم قلة نجحوا في الهجرة إلى أوروبا والحصول على اللجوء، ويكتبون بكل حرية فيعيشون في أمان بعيدا عن عمليات الخطف والابتزاز والاغتيال التي يعيشها حاليا المثقف الليبي داخل ليبيا».
رؤية واقعية
وذهبت الشاعرة السورية وداد نبي إلى أن المثقف عموما كان مطلوباً منه تقديم رؤية نقدية للواقع، ومن خلال تلك الرؤية يحاول المساهمة في تغيير الواقع.
وتقول «حين حانت اللحظة لتحويل الشعارات والتنظير الفكري للتطبيق أثناء الثورات العربية التي حدثت رأينا أن المثقف كان في حالة حياد وسلب غير قادر على تبني تلك الأطروحات القديمة بخصوص التغيير ومقاومة سلطة الاستبداد، والمثقف السوري لم يكن بعيداً عن مد الخراب الذي طال السوريين عموماً، لكن المشكلة كانت في تبني هذا المثقف لمواقف مبنية مسبقاً من قبل أطراف السياسية التي كانت لها أثر في بداية انطلاق الثورة السورية، موضحة أن المثقف السوري عموماً لم يحاول أن يشكل موقفه الخاص به ليؤثر به على المحيط حوله.
وترى وداد أن المثقف السوري دخل في مشكلة الانطواء تحت قوى معينة تتحكم بالساحة السياسية السورية، ولذا كان في صراع دائم بسبب تغيير مواقف القوى السياسية التي كانت تتسيد المشهد السياسي في الثورة السورية، فإما اتخذ موقف تأييد لسلطة الاستبداد المتمثلة بنظام الأسد، وبذلك نأى بنفسه عن موضوع الاعتقالات والاغتيالات التي طالت العديد من المثقفين السوريين، وإما أن يتخذ موقف الوقوف مع الثورة دون أن يكون مع طرف من الأطراف، وبذلك يتعرض لأزمة ملاحقة ومضايقات من قبل قوى النظام والقوى المعارضة المسلحة داخل البلد.
ولفتت إلى أن المثقف المستقل الذي لم يتحول لبوقٍ لجهة ما، كان مصيره الاعتقال أو الاغتيال كما حدث مع الصحفي الراحل ناجي الجرف، فالمشهد في الثورة السورية كان ولا يزال قاتماً وسوداوياً، غير قادر على تحمل آراء خارجة عن الأطر الموجودة التي تتحكم بالساحة السورية من قوى معارضة ونظام، ولذا سيبقى المثقف الحر يدفع ثمن مواقفه إما اعتقالاً أو اغتيالاً.
المشهد والصراع
«عكاظ» التقت مثقفين وناشطين من بلاد عربية عاشت هذا المشهد، إذ يشير المحامي التونسي نور الدين الجبالي إلى أن المشهد يطرح لنا أسئلة حارقة حول دور الثقافة والمثقفين عموما خلال هذه الفترة والتغيرات المتعددة التي شهدها المشهد الثقافي منسجما مع تغير المشهد العام للبلاد، فهو يرى أنه كان لزاما على المثقف أن يدلي بدلوه، خصوصا أن المسؤولية أصبحت أكبر مع هامش الحرية الذي بدأ حينها كبيرا ومنفتحا، بل يصل حد الإغراء الذي لا حدود له في التعبير بكل الأشكال الفنية، لكن هنا كان الإشكال والرهان الحقيقي.
ويعتبر الجبالي أن المشهد الآن في صراع، إذ يقول: «الصراع بدأ في أول الأمر خفيا أو يسير على مهل، لكن فيما بعد تشكلت ملامحه بشكل جلي وقوي مع مضي السنوات التي تلت الثورة ليكون صراع «أيديولوجيات» بالأساس وصراع تموقع ثقافي وفكري بامتياز، حارب بشتى الأشكال ليجد له موطئ قدم في أرض بدت خصبة لزرع أفكاره»، موضحا أن «الصراع الأيديولوجي الرهيب خلق نوعا من عدم التوازن الثقافي في البنية الثقافية ككل، ما جعل المتلقي يعيش حالة من الحيرة والقلق الدائم، حتى أصبحنا نعيش شكلا من الانتصاب الفوضوي لبث الأفكار، ما صعب عملية غربلة الغث من السمين منها، ومعرفة المثقف الحقيقي من دعي الثقافة، والملتزم من الزائف».
3 حالات
فيما يرى الكاتب والصحفي الليبي محمد الأصفر (صاحب 14 كتابا مطبوعا على نفقته الخاصة) أن المثقف الليبي يعيش 3 حالات حاليا؛ الاصطفاف أو الصمت أو الهجرة، ويمضي قائلا: «عن طريق الإقامة في دول الجوار والعمل في قنوات فضائية أو صحف مدعومة من مغذي الصراع، أو الحصول على اللجوء السياسي أو الإنساني في دول الغرب، إذ وجد نفسه أمام هذه الحالات الثلاث، وعليه أن يختار منها ما يناسبه»، موضحا أن معظم المثقفين اصطفوا بشكل مباشر أو غير مباشر مع التيارات المتصارعة التي تناسلت بعد سقوط القذافي والتابعة معظمها لدول خارجية عربية وغربية تحركها من وراء الكواليس، فعند متابعة صفحة أي مثقف ليبي عن طريق «فيس بوك» أو «تويتر» أو غيرهما يمكنك أن تصنفه، ويمكنك أن تحدد اتجاهاته.
وأضاف: «هناك قسم آخر من المثقفين قرروا الصمت والانهماك في إبداعاتهم البعيدة عن التعاطي مع الراهن، فيما يوجد القسم الآخر وهم قلة نجحوا في الهجرة إلى أوروبا والحصول على اللجوء، ويكتبون بكل حرية فيعيشون في أمان بعيدا عن عمليات الخطف والابتزاز والاغتيال التي يعيشها حاليا المثقف الليبي داخل ليبيا».
رؤية واقعية
وذهبت الشاعرة السورية وداد نبي إلى أن المثقف عموما كان مطلوباً منه تقديم رؤية نقدية للواقع، ومن خلال تلك الرؤية يحاول المساهمة في تغيير الواقع.
وتقول «حين حانت اللحظة لتحويل الشعارات والتنظير الفكري للتطبيق أثناء الثورات العربية التي حدثت رأينا أن المثقف كان في حالة حياد وسلب غير قادر على تبني تلك الأطروحات القديمة بخصوص التغيير ومقاومة سلطة الاستبداد، والمثقف السوري لم يكن بعيداً عن مد الخراب الذي طال السوريين عموماً، لكن المشكلة كانت في تبني هذا المثقف لمواقف مبنية مسبقاً من قبل أطراف السياسية التي كانت لها أثر في بداية انطلاق الثورة السورية، موضحة أن المثقف السوري عموماً لم يحاول أن يشكل موقفه الخاص به ليؤثر به على المحيط حوله.
وترى وداد أن المثقف السوري دخل في مشكلة الانطواء تحت قوى معينة تتحكم بالساحة السياسية السورية، ولذا كان في صراع دائم بسبب تغيير مواقف القوى السياسية التي كانت تتسيد المشهد السياسي في الثورة السورية، فإما اتخذ موقف تأييد لسلطة الاستبداد المتمثلة بنظام الأسد، وبذلك نأى بنفسه عن موضوع الاعتقالات والاغتيالات التي طالت العديد من المثقفين السوريين، وإما أن يتخذ موقف الوقوف مع الثورة دون أن يكون مع طرف من الأطراف، وبذلك يتعرض لأزمة ملاحقة ومضايقات من قبل قوى النظام والقوى المعارضة المسلحة داخل البلد.
ولفتت إلى أن المثقف المستقل الذي لم يتحول لبوقٍ لجهة ما، كان مصيره الاعتقال أو الاغتيال كما حدث مع الصحفي الراحل ناجي الجرف، فالمشهد في الثورة السورية كان ولا يزال قاتماً وسوداوياً، غير قادر على تحمل آراء خارجة عن الأطر الموجودة التي تتحكم بالساحة السورية من قوى معارضة ونظام، ولذا سيبقى المثقف الحر يدفع ثمن مواقفه إما اعتقالاً أو اغتيالاً.